لا تلوموا الشعوب على خياراتها

تاريخ النشر: 2022-05-31
بقلم المستشار/ أسامة سعيد سعد
كان للربيع العربي في العام 2011 وقع السحر على الشعوب العربية التي ما الفت هذه الحراكات الواسعة التي تنادي بحرية الشعوب وانعتاقها من ربقة الحكم الدكتاتوري الذي جثم على انفاسها منذ استقلالها بدايات القرن الماضي ، فامتداد فترة الحكم الدكتاتوري للشعوب العربية والاستكانة الظاهرة من قبل الشعوب ولد قناعة للكثيرين بأنه قد اصبح من سمت الشعوب العربية الاستسلام للحكم الدكتاتوري المطلق حتى وصلت القناعة بهم إلى الاعتقاد بأن جينات العرب تتنافر مع الحكم الديمقراطي ، لأنها لا تسطيع العيش الا تحت وطأة حكم شمولي متسلط، وقد صرح يوما أحد الممثلين العرب الذي حظي بشهرة عالمية لأحد الرؤساء الأمريكان بذلك حينما قال له (نحن العرب لا نستطيع ان نعيش الا بوجود حاكم قوي يحكمنا فنحن لا نعرف العيش بالديمقراطية) . لذلك كانت ثورات الربيع العربي بمثابة حالة تحرر جديدة من استعمار من نوع مختلف عن الاستعمار القديم الذي حكم الشعوب العربية لسنوات طوال فكان استعمار من طغم حاكمة ظنت أنها تمتلك حق الحكم الحصري للابد، فهي ترى في نفسها قدرة ملهمة على الحكم لا يتأتى لاحد سواها.... ورغم أن ثورات الربيع العربي انتكست بفعل عوامل عدة من ابرزها تحالف اقليمي يمتلك ميزات مالية اهدرت بسخاء من اجل احباط هذه الحركة النهضوية العربية...ولقد استحكمت حلقات هذه المؤامرة حتى ظننا جميعا انه كان حلم جميل مر كسحابة صيف .. ولكن كان للشعوب كلمة اخري واثبتت الشعوب العربية مرة اخري انها مازالت على العهد ماضية وان توقها للحرية لم تكن رغبة عابرة ولا هي مغامرة غير محسوبة ...وعادت روح الربيع العربي تجتاح العواصم العربية من جديد لترمم ما افسدته المنظومة الرجعية وتكرس واقعا جديدا عنوانه ان العرب لم ولن يقبلوا بالعودة للماضي الكئيب والاستكانة للحكم الدكتاتوري الفاسد أي كانت الشعارات التي يتغطى بها... فلا الشعارات الثورية عاصمة له.. ولا التمسح بالإسلامية تحميه ...ولا دعاوي الاستقرار والنمو الاقتصادي تجدي نفعا... فالجماهير العربية تتحرك للأمام صوب هدف واحد هو الحكم الديمقراطي والذي من خلاله فقط تتحقق كل تطلعات الشعوب من حرية وكرامة ونمو اقتصادي ومكان محترم تحت السماء وعلى رقعة مصانة من البسيطة.. ولعل ما ينبغي قوله ان تصور البعض المترسخ بأن الحراك الشعبي العربي سيولد بالضرورة اتجاها فكريا معينا هو وهم لا بد من تبديد تشابكاته فقد اثبتت الحقائق على الارض أن الدكتاتورية تجلت في أشكال اتخذت ابعادا فكرية مختلفة من اسلامية الى قومية الي ليبرالية.. وكلها لم تكن على قدر يؤهلها للحكم بشكل يؤدي للتطور الحضاري والاقتصادي، كما شهدت دول اخري في العالم كانت ظروفها أقرب ما تكون للواقع الدول العربية مثل اندونيسيا وماليزيا وتركيا. والحقيقة ان الحركة الديمقراطية تدفع للحكم من هو أصلح واجدر فقط بغض النظر عن الفكر الذي يحمله او ينادي به والشعوب رقيب حسيب على الافعال و الاقوال فمن كان لديه بضاعة كاسدة فلا يعرضها على الشعوب، لأنها سئمت غش تجار السياسة واصبحت قادرة على التمييز بين الغث والسمين فلا تستغربوا ان تختار الشعوب شخصا من بقايا نظام قديم لأنها رأت فيه أنه يسير بها نحو التطور الحضاري المنشود او ربما صاحب فكر اسلامي تري فيه معززا لقيم مفقودة او ليبرالي يدعو للحرية والديمقراطية فلا تلوموا الشعوب على خياراتها ولا يلومن احد الا نفسه فالشعوب ستحترم من يحترمها وستقصي من يمتهن كرامتها او يستخف بتطلعاتها وليعلم كل من يري في نفسه زعيما ملها ان العصر الفرعوني " لا اريكم الا ما ارى ولا اهديكم الا سبيل الرشاد" اصبح من ارث الماضي الكريه الذي ستدرسه الاجيال القادمة كحلقة سوداء من تاريخ الأمة.