زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً – أبشر بطول سلامة يا مربعُ ... ربما يلخص بيت الشعر هذا، ما ذهب إليه الحال في دولة الاحتلال... وذلك يعني أن التهديدات الجوفاء التي كانت سمة غالبة للأنظمة العربية في السنوات الماضية أصبحت سمة واضحة للكيان الصهيوني في تعامله مع قوى المقاومة والجبهات الساخنة سواء في الشمال والجنوب، بل ربما لكثرة تصريحات زعماء وقادة العدو وتهديداتهم – أصبحت هذه التصريحات بمثابة إسطوانة مشروخة غير قابلة للتعاطى معها، لكثرة ما تم سماعها حتى وكأنها أصبحت معزوفة سمجة مل من سماعها المحللون، وأخر هذه التجليات ما تم إعلانه من خطة رئيس أركان حرب العدو من خطته المسماة "تنوفا" ، والتي وضعت الخطوط العامة التي سيعمل عليها جيش العدو خلال الفترة المقبلة حال شنت حرب ضد غزة، وأبرز ملامحها يتمثل في ايقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف العدو.
ما يدفع المرء للتساؤل منذ متى واسرائيل تعلن خططها للحرب وهي التي كانت تبادر الى العمل العسكري ضد أي تهديد محتمل لكيانها سوء كان هذا التهديد حاضرا أم في المستقبل ولسنا بحاجة هنا لذكر وقائع تاريخية لندلل على ما سبق.
لقد اعتمد العدو ولفترة طويلة جدا على استراتيجية العمل وفق مبدأ( إضرب العدو في أرضه بقوة وجنب جبهتك الداخلية القتال) إلا أن هذه الاستراتيجية القتالية لم تعد قابلة للتطبيق وذلك ابتداء منذ عام 2000 حينما اضطر العدو للانسحاب من جنوب لبنان تحت وطأة ضربات المقاومة ولأول مرة في التاريخ دون اتفاق سياسي يلبي مصالح العدو ، ومنذ ذلك الوقت حيث تطورت وتغيرت موازين الردع في المنطقة بشكل جلي تبرز ملامحه بشكل واضح في حالة التردد في شن حرب على أي من الجبهات بسبب الخوف من عدم ضمان نتائجها ،وهذا ما لا يتوقف المحللون العسكريون من ترديده من وقت لآخر ، ولذلك فإن نشر خطة رئيس الأركان الجديد لا تعدو كونها حلقة من حلقات الحرب النفسية التي أصبحت تعول عليها اسرائيل كثيراً أملاً منها في كسر الروح المعنوية للمقاومة ودفعها للتوصل معها إلى هدنة طويلة الأمد كما تتمنى، ولعل ما كتبه المحلل العسكري ألون بن دافيد، وضح ذلك تماماً حينما ذكر أن الخطة التي وضعها رئيس هيئة الأركان العامة أفيف كوخان وصودق عليها حديثاً لا تعد نقطة تحول في العقيدة القتالية للجيش الاسرائيلي كما أنها لا تقدم حلولاً عملية لنقاط الضعف في ذراع البر والقوى البشرية في الجيش الاسرائيلي. بمعنى ان الهاجس الصهيوني من شن أي حرب على الجبهات قائما بسبب التكلفة العالية التي قد يضطر العدو الى دفعها في حين ان الحرب تبقى غير مضمونة النتائج.
خلاصة القول أن كل ما يقوم به قادة الاحتلال هذه الايام يصب في أحد مسارين وهما:
المسار الأول: هو المزاودة الحزبية حيث انتخابات الكنيست على الأبواب.
المسار الثاني: فهو رفع الروح المعنوية للجنود وللمواطن الاسرائيلي التي تضررت كثيراً مع فقدان قوة الردع الصهيونية التي تتجلى معالمها شيئاً فشيئاً من خلال ارتباك وفوضى تصريحات قادة العدو في الوقت الذي يتحدث فيه الميدان حديثاً آخر تماماً يدركه كل من المواطن والجندي تماماً على طرفي الحدود.